د.عبدالكريم العنزي يسوق بالأدلة.. ليس من صلاحية الداخلية شطب "المرشحين"

8:02 ص
 
هل من سلطة وزارة الداخلية أن تتدخل لاستبعاد بعض المرشحين من عضوية مجلس الأمة؟ ومتى تمتد يدها للإطاحة بمن يتقدم لعضوية المجلس، وفي أي مرحلة ومتى تطيح الشبهة بالمرشح؟ وماذا عن مبدأ فصل السلطات، ودور مجلس الأمة، وهل بإمكان المرشح الطعن في القرار باللجوء إلى القضاء الإداري مخاصماً قرار استبعاده، نظرة قانونية اعتمدت على الدقة وقراءة ما بين السطور، ألقت بظلالها على قضية شطب مرشح الثالثة الدكتور فيصل المسلم من الانتخابات، استندت على مواد الدستور، وما نص عليه قانون الانتخابات، لترسم ملامح وحدود سلطة وزارة الداخلية في العملية الانتخابية، وكانت الدراسة تحت عنوان" استبعاد مرشحي مجلس الأمة من الترشيح في ميزان الدستورية" لصاحبها الدكتور د.عبدالكريم العنزي أستاذ القانون بكلية الدراسات التجارية، وفيما يلي نص الدراسة:-

استبعاد مرشحي مجلس الأمة من الترشيح في ميزان الدستورية
لما كانت وزارة الداخلية قد أصدرت قرارها باستبعاد المرشح فيصل المسلم من كشوف المرشحين لعضوية مجلس الأمة 2012، وذلك على إثر صدور حكم قضائي نهائي بإدانته في جريمة التحريض على كشف أسرار بنكية، فإننا وبهذه المناسبة نود أن نسهم في إبداء الرأي القانوني، الذي نراه يتفق مع صحيح الدستور والتفسير السليم والمنطقي لنصوص الدستور والقانون ذات العلاقة بهذه المسألة.

فبادئ ذي بدء لا شك بأن الأحكام القضائية النهائية لها أولوية الرعاية والاعتبار على ما عداها، وهذه القاعدة تتصل بالنظام العام لكونها تقررت بقاعدة آمرة تكرس سمو الأحكام القضائية، إلا أنه وبصدد الحالة محل البحث؛ فإن قرار وزارة الداخلية باستبعاد المرشح فيصل المسلم من كشوف المرشحين كقرار إداري، استند على سبب واقعي، وهو إدانته عن الواقعة المشار إليها سلفاً، وسبب قانوني هو تخلف شرط من شروط الناخب وبالتالي شرط من شروط المرشح في جانبه، ألا وهو ارتكابه جريمة مخلة بالشرف والأمانة، ومن جماع الأمرين السابقين يتحدد سبب قرار الاستبعاد هذا وهو ركن جوهري من أركان القرار الإداري يخضع لرقابة القضاء الإداري متى أفصحت جهة الإدارة عنه في صلب قرارها. 

فالمادة (82) من الدستور الكويتي تقرر بأنه: " يشترط في عضو مجلس الأمة "أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب".

فهذه قاعدة إسناد أحال بموجبها المشرع الدستوري بصدد شروط العضوية في مجلس الأمة إلى شروط الناخب الواردة في قانون الانتخاب، والتي يهمنا منها ما ورد في المادة الثانية من هذا القانون الأخير، والتي جرى نصها على أنه:
" يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره".
ومن جانب آخر نصت المادة (19) من ذات القانون على أنه:

" يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة أن يكون اسمه مدرجاً في أحد جداول الانتخاب ".

ومن جماع ما تقدم عرضه من نصوص قانونية، يتضح بأن المشرع الدستوري ومن بعده المشرع العادي أسندا لجهة الإدارة ممثلة بوزارة الداخلية السلطة في إعداد جداول الناخبين (المواد من 6 إلى 16 من قانون الانتخابات) وهذه الجداول تعتبر حجة قاطعة وقت الانتخاب، ولا يجوز لأحد الاشتراك فيه ما لم يكن اسمه مقيداً بها (مادة 17 من ذات القانون) .

وعليه فإننا بصدد ثلاث مراحل تمر بها العملية الانتخابية، الأولى: وتتمثل في إعداد جداول الناخبين وهي مرحلة تختص بالإعداد لها والإشراف عليها وزارة الداخلية، تحت رقابة القضاء متى ما أقيمت طعون انتخابية عن تلك الجداول.

والثانية: وهي المرحلة من فتح باب الترشيح إلى ما قبل يوم الانتخاب وإعلان النتائج الرسمية، وهي مرحلة لا تخضع لرقابة وزارة الداخلية، التي تكتفي بالتأكد من توافر شروط الناخب في المتقدم للترشيح، والذي من المفترض أن اسمه مقيد في الجداول الانتخابية، ولا يؤثر على مركزه القانوني هذا أي تعديل قد يطرأ عليه؛ لأن الفقرة الأخيرة من المادة (8) من قانون الانتخاب تقرر بأنه: " ولا يجوز إجراء أي تعديل في الجدول بعد صدور مرسوم دعوة الناخبين للانتخاب ".

فالمشرع عند صياغته للنصوص القانونية سالفة البيان، كان دقيقاً جداً باستعماله مصطلح " شروط الناخب " لرغبته في أن تقتصر سلطة وزارة الداخلية كجزء من السلطة التنفيذية على هذه المرحلة، وأن لا تمتد لتشمل مرحلة الترشيح، فيما خلا ما قررته النصوص من صلاحيات تتعلق بهذه المرحلة، والعلة في ذلك واضحة جلية، فالمادة (50) من الدستور تقرر مبدأ الفصل بين السلطات، ولو أقررنا بسلطة وزارة الداخلية في الهيمنة على مرحلة الترشيح لعضوية مجلس الأمة، وهي المرحلة التي يتحدد من خلالها تشكيل مجلس الأمة، وهي بذلك مرحلة بالغة الخطورة، فإن ذلك يفتح الباب واسعاً لقيام شبهة التدخل في تشكيل مجلس الأمة من خلال حرمان بعض المرشحين من ممارسة حق الترشيح، وغض البصر عن البعض الآخر، وهو ما ينال من مبدأ الفصل بين السلطات، لكونه يتضمن تغولاً من السلطة التنفيذية ليس فقط على اختصاص السلطة التشريعية بل في تشكيل هذه السلطة التي من أهم مهامها الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

فضلاً عن أن قانون الانتخاب الذي تضمن تنظيماً شاملاً ومفصلاً للعملية الانتخابية قد خلا من النص على سلطة وزارة الداخلية في استبعاد بعض المرشحين من كشوف المرشحين، ولو كانت إرادة المشرع قد انصرفت إلى إسناد هذا الاختصاص لوزارة الداخلية، لكان نص عليه على وجه الخصوص، نظراً لجسامة خطورة الأثر المترتب على منح هذا الاختصاص لوزارة الداخلية على المراكز القانونية للمرشحين .

ومما يعزز الرأي السابق أن قانون الانتخابات نظم صراحةً حالة تنازل المرشح عن ترشيحه، وهو ما يفضي إلى استبعاده – وإن كان هذا الاستبعاد بإرادته – من المشاركة في الانتخابات، فإنه وبطريق القياس من باب أولى فإن الإقرار بسلطة وزارة الداخلية في استبعاد بعض مرشحي مجلس الأمة يفترض النص على هذه السلطة بنص خاص صريح الدلالة.     

بإزاء هذا الذي تقدم، فإن المصلحة العامة والثقة المفترضه بالسلطة التنفيذية ونزاهة العملية الانتخابية تحتمان على وزارة الداخلية أن تنأى بنفسها عن المشاركة في مرحلة الترشيح، اكتفاء بالصلاحيات التي قررها لها قانون الانتخاب وهي على النحو التالي:

- استلام طلبات الترشيح خلال ميعاد العشرة أيام التالية لنشر مرسوم الدعوة للانتخابات.
- قيد طلبات الترشيح بحسب وقت ورودها في دفتر خاص وإعطاء طالب الترشيح إيصالاً بذلك .
- التأكد من سداد المرشح لمبلغ خمسين ديناراً كتأمين يخصص للأعمال الخيرية، وبهذا الإجراء الأخير يكتمل المركز القانوني للمرشح والذي يتمتع بحماية القانون إلى حين إجراء العملية الانتخابية، إلا إذا تقدم المرشح بطلب تنازله عن الترشح
- قيد طلبات التنازل عن الترشيح التي تقدم قبل سبعة أيام من ميعاد إجراء الانتخابات على الأقل.

أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة إعلان النتائج الرسمية للانتخابات وانتقال المرشحين الفائزين من المركز القانوني للمرشح إلى اكتساب صفة العضوية والنيابة عن الأمة، وهنا يلفت نظرنا نص المادة (50) من قانون الانتخاب الذي جرى على أنه: " تسقط العضوية عن عضو مجلس الأمة إذا فقد أحد الشروط المشترطة في العضو أو تبين أنه فاقدها قبل الانتخاب، ويعلن سقوط العضوية بقرار من المجلس".

فهذا النص صريح وحاسم في تأييد وجهة النظر التي نقول بها، وهي ألا سلطة لوزارة الداخلية في استبعاد بعض المرشحين لعضوية مجلس الأمة؛ بحجة افتقادهم لشرط أو بعض الشروط المتطلبة في الناخب، وأهمها ألا يكون محكوماً عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، فمضمون النص يقدم حلاً لفرض ربما يقع عملاً وهو توافر شروط الناخب في أحد المتقدمين لعضوية مجلس الأمة ومن ثم استيفاؤه لشروط الترشح، وترشحه فعلاً وخوضه للانتخابات وفوزه بعضوية مجلس الأمة، وهنا يأتي الحل الذي نظمته المادة (50) سالفة الذكر والذي يهمنا منها عبارة " أو تبين أنه فاقدها قبل الانتخاب " 

فالتأكد من توافر شروط العضوية في عضو مجلس الأمة في الفترة الواقعة بين تقدمه بطلب الترشيح إلى لحظة إعلان فوزه بالعضوية وهي التي كان فيها مجرد مرشح، ينعقد الاختصاص فيها حصراً لمجلس الأمة احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات. 

ونعيد إيراد نص المادة (82) من الدستور لربط الأفكار ولتتضح الرؤية أكثر، فهذه المادة الأخيرة في فقرتها الثانية تنص على أنه: " يشترط في عضو مجلس الأمة أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب "، فالمشرع في النصين السابقين كان دقيقاً في استخدام مصطلح " عضو مجلس الأمة " ولم يقل المرشح، فهذه الشروط متطلبه في الناخب ابتداء وفي عضو مجلس الأمة بقاءً، وذلك حتى يبعد وزارة الدخلية عن التعرض للمراكز القانونية للمرشحين اكتفاء بتوافر شروط الناخب، أما بالنسبة للمرشح فإنه من المفترض أن شروط الناخب قد توافرت فيه، فإذا أجريت الانتخابات ولم يحالفه الحظ في الفوز بالعضوية فإن الأمر ينتهي عند هذا الحد، ومن ثم فلا حاجة لفحص مدى توافر شروط العضوية في جانبه.

أما إذا تبين فوزه بأحد مقاعد مجلس الأمة، فإن السلطة هنا في إعلان سقوط عضويته تنعقد لجهتين:

المحكمة الدستورية (إبطال العضوية): حيث تنص المادة الخامسة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية على أن: "تقدم الطعون الانتخابية الخاصة بمجلس الأمة إلى المحكمة مباشرة أو بطريق المجلس المذكور وفقا للإجراءات المقررة لديه في هذا الشأن".
مجلس الأمة (إسقاط العضوية): حيث تنص المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على أنه: " إذا فقد العضو أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية سواء عرض له ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها.

ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسة تالية وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس على أن يغادر الاجتماع عند أخذ الأصوات، ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه.
ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سرياً." .

ويأتي هذا النص متسقا مع مبدأ الفصل بين السلطات، ولكي لا يكون هنالك من سبيل لتدخل سلطة في اختصاصات سلطة أخرى لا سيما إذا كان هذا التدخل من جانب السلطة الخاضعة للرقابة في تشكيل السلطة صاحبة الاختصاص في الرقابة.

وبالبناء على ما سلف وهدياً به فإن وزارة الداخلية لا تملك في صحيح التفسير القانوني والمنطقي الشامل لنصوص الدستور والقانون ذات الصلة بالعملية الانتخابية خصوصاً وتشكيل السلطة التشريعية واختصاصاتها عموماً أن تتعرض للمراكز القانونية لمرشحي مجلس الأمة، ويقتصر دورها على التأكد من توافر الشروط الشكلية واستيفاء الإجراءات التي أوردها قانون الانتخابات ولا يمتد هذا الاختصاص بأي حال من الأحوال إلى استبعاد ترشيح أحد المرشحين أو مجموعة منهم التي يختص بها مجلس الأمة لوحده ولا ينازعه هذا الاختصاص أي سلطة أو جهة أخرى.

فإذا صدر قرار باستبعاد أحد المرشحين بحجة عدم توافر شروط الناخب أو عضو مجلس الأمة فيه ومنها ألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة فإن هذا القرار يعتبر منعدماً حابط الأثر؛ لافتقاده ركناً جوهرياً من أركان القرار الإداري وهو ركن الاختصاص، وغني عن البيان أن عيب عدم الاختصاص في حالتنا هو عيب جسيم لصدوره من السلطة التنفيذية وهو بالأساس من اختصاص مجلس الأمة وفقاً لنص المادة (50) آنف الذكر. 

وتبعاً لذلك فإن المرشح المستبعد بقرار من وزارة الداخلية يظل متمتعاً بالمركز القانوني للمرشح، ولكن لما كانت هذه الوزارة هي المختصة طبقاً لنص المادة (26) من قانون الانتخاب بطباعة أوراق الانتخاب بالصيغة التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه والتي من المتوقع أن تأتي خلواً من اسم المرشح المستبعد، فإن هذا الأخير لا مناص أمامه من اللجوء إلى القضاء الإداري مخاصماً قرار استبعاده كعقبة مادية تحول بينه وبين المشاركة في الانتخابات، على أن تتضمن طلبات المرشح المستبعد بالإضافة إلى طلب إلغاء قرار استبعاد اسمه من أوراق الترشيح طلباً مستعجلاً بوقف هذا القرار وإضافة اسمه في أوراق الترشيح.

د.عبدالكريم العنزي
أستاذ القانون بكلية الدراسات التجارية

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

نرفض الردود التي تحتوي على بريد الكتروني أو روابط دعائية لمواقع او مدونات أخرى الإبتساماتإخفاء الإبتسامات