المحاور الثلاثة لإستجواب د. عبيد الوسمي:
المحور الأول (تطبيق القانون)
ونص محور “الانتقائية في تطبيق القانون” أن الوظيفة الاساسية للقواعد القانونية هي تنظيم العلاقات الانسانية ضمن حدود موضوعية معتبرة لا تختلف تطبيقاتها باختلاف الاشخاص وهو ما يعبر عنه بسيادة القانون وهذا ما اكد عليه الدستور الكويتي في نص المادة 29 حين قرر بأن (الناس سواسية في الكرامة الانسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين).
فتمييز الحكومة في التعامل بين مواطنيها والكيل بمكيالين في تطبيق القانون يؤدي الى اختلال نظام العدل في المجتمع وانهيار الحقوق والحريات، مما جعل بعض شرائح المجتمع تُستهدف بشكل انتقائي منهجي ومستمر دون ان تعرف دواعيه ودون اكتراث لآثاره.
وحيث ان الانتقائية في تطبيق القانون تضعف الانتماء وتهدد الوحدة الوطنية، التي كانت دائما هي القاسم المشترك في تصريحات كبار مسؤولي الدولة دون ان تجد هذه التصريحات صدى عمليا لها، فان ذلك خلق مساحات واسعة من الشك والربية في حقيقة النوايا التي بنيت عليها.
ويبدو هذا الاثر واضحا بالتجاهل المتعمد لنصوص القانون على نحو يخل بسريانه ويجعل من تطبيق القانون اداة للابتزاز والتخويف لا اداة للتنظيم والبناء، ونشير في هذا الخصوص إلى ما نص عليه القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 في المادة (29) التي قررت (كل من حرض علنا او في مكان عام او في مكان يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق القول او الصياح او الكتابة او الرسم او الصور او اي وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر، على قلب نظام الحكم القائم في الكويت وكان التحريض متضمنا الحث على تغيير هذا النظام بالقوة او بطرق غير مشروعة، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات ويحكم بنفس العقوبة على كل من دعا بالوسائل السابقة الى اعتناق مذاهب ترمي الى هدم النظم الاساسية في الكويت بطرق غير مشروعة او الى الانقضاض بالقوة على النظام الاجتماعي او الاقتصادي القائم في الكويت). وعلى القانون رقم 61 لسنة 2007 بشأن الاعلام المرئي والمسموع الذي نص في المادة 11 على انه (يحظر على المرخص له بث او اعادة بث ما من شأنه:
10- المساس بكرامة الاشخاص او حياتهم الخاصة او معتقداتهم الدينية.
11- الدعوة او الحض على كراهية او ازدراء اي فئة من فئات المجتمع.
ولما كان المساس بفئة من فئات المجتمع على نحو واضح قد يترتب عليه اثار يتعذر تداركها تستلزم من الدولة باجهزتها المختصة ان تباشر وظيفتها في تطبيق القانون والمحافظة على الامن الاجتماعي، وهذا ما يجعل تجاهل مثل هذه الوقائع والتركيز على اثارها صورة خاصة من صور خلق الجريمة والاشتراك فيها وتعمد استفزاز الشارع بمثل هذه الانتقائية المفضوحة، وهو ما يستوجب المساءلة السياسية والجنائية على السواء.
كما انه ونتيجة لتخلي الحكومة عن مسؤولياتها فقد نهج البعض نهجا شاذا بالمساس بالدول الشقيقة والصديقة والتي ترتبط مع الكويت بعلاقات جوار ومصير مشترك، الامر الذي نجم عنه اساءة بالغة لعلاقات الكويت بمحيطها ويهدد متانة هذه العلاقات او استمراريتها على الرغم من ان نص المادة (4) من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 تنص على انه: (يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل من قام بعمل عدائي اخر ضد دولة اجنبية من شأنه تعريض الكويت لخطر الحرب او قطع العلاقات الدبلوماسية).
وقائع شهيرة
وحيث ان هذا النص قد تم تفعيله في وقائع شهيرة مثل اتهام النائب محمد هايف بينما تم التغاضي عنه كليا في وقائع اكثر وضوحا وتأثيرا على الرغم من تكرار هذه الوقائع وخطورة اثارها في علاقات الكويت بدول الجوار ومنها تعدي بعض الاشخاص على دول خليجية وقادتها ولم تتخذ بحقهم حتى تاريخه اي اجراءات قانونية مماثلة لما تم اتخاذه مع النائب محمد هايف.
كما انه وفي وقاعة اخرى استجابت السلطة للمطالبة باتخاذ اجراءات فورية وخلال 24 ساعة بتوجيه اتهام للكاتب الصحافي محمد المليفي الذي تم على اثرها اعتقاله وحبسه تحت ذريعة تقويض النظام الاجتماعي بينما تجاهلت بتعمد شديد عبارات الازدراء والتحقير المجرمة قانونا لاكثر من مئة الف مواطن كويتي في ندوة العديلية دون اكتراث باثر ذلك على الروح الوطنية او الثقة بمؤسسات الدولة او حديثها في تطبيق القانون على الجميع او الخشية من ردة فعل قد تؤدي الى الاخلال الجسيم بالامن الاجتماعي في الحالات التي لا تقوم اجهزة الدولة المكلفة بمهامها المنوطة بها.
كما انه وعندما تم اقتحام قناة فضائية في العام الماضي لم تتخذ الاجهزة الامنية اي قرار متعلق بحجز المتهمين بينما في حادثة قناة الوطن تم الاعتقال بشكل عشوائي مبني على هوية الاشخاص ودون التحقق اصلا من اتصالهم بالواقعة محل البحث والتحري، مما يدل على استقصاد شريحة بعينها لاسباب لا تمت للقانون بصلة وعلى نحو انتقائي فج، واصبح الانتماء الى هذه الشريحة مدعاة للاتهام والاستهداف المباشر مما ينجم عن هذا الاجراءات شرخ في جدار الوحدة الوطنية.
ولا تقتصر مظاهر الانتقائية على الحالات المشار اليها، بل تمتد الى كثير من الحالات الاخرى التي تشكل في مجموعها سياسات منهجية غير مشروعة مستمرة الاثر ومن امثلتها المعتادة:
- الامتناع والتراخي عن قيد البلاغات الواردة في بعض الحالات بالمخالفة للقانون.
- اختلاف المعالجات الامنية في الحالات المتماثلة.
- التباطؤ المتعمد في اتخاذ بعض الاجراءات المتطلبة قانونا.
- تقديم بيانات غير صحيحة لاعتبارات سياسية ودون اتخاذ اي اجراء بحق مرتكبي المخالفات.
- اختلاف الجهد المبذول من واقعة مجرمة لاخرى باختلاف الظروف السياسية المصاحبة للواقعة.
- الاتهامات الامنية العشوائية غير المبنية على تحريات جدية.
المحور الثاني (البدون)
أما المحور الثاني “تعريض مصالح الدولة العليا للخطر والاساءة الى سمعة الكويت في المحافل الدولية”، فأشر الى أنه لا شك ان منهج الحكومة المتبع ومنذ سنوات والذي مازال قائما حتى لحظة كتابة هذا الاستجواب في التعامل مع بعض الملفات الانسانية ذات البعد الدولي وتحديدا قضية البدون والتعامل الحكومي مع هذه الفئة وحرمانهم من ابسط الحقوق الانسانية، وخصوصا تلك المتعلقة بتوفير سبل العيش الكريم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية في الاقامة والتنقل والعمل وحرية التعبير والاعتقالات التعسفية غير المبررة، التي جعلت من الكويت محل انتقاد من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، وهو ما يتعارض في حقيقته مع ما افصحت عنه الدولة عن طريق ممثليها (الرسميين) في اكثر من اجتماع دولي كالاجتماعات الخاصة لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، والتي ادعت فيها الحكومة قيامها بتنفيذ التزاماتها الدولية المنصوص عليها في العهد الدولي المتعلق بحقوق الانسان المدنية والسياسية لعام 1966 والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لعام 1966، حيث ان الوقائع المثبتة في المحاضر الخاصة باللجان الدولية على هذا النحو قد ترتب اثارة مسؤولية الكويت الدولية واظهارها بمظهر المخل وبشكل عمدي بالتزاماتها الدولية.
ولعل آخر هذه البيانات الحكومية الكاذبة تلك التي تم تقديمها قبل ايام قليلة جدا امام لجنة مناهضة التمييز العنصري التابعة للامم المتحدة والتي ادعت فيها الحكومة الكويتية تعاملها الانساني مع هذه الفئة (البدون) خلافا للواقع، وقولها بأن افراد هذه الفئة هم من المقيمين بصورة غير مشروعة نظرا لمخالفتهم للقوانين المطبقة في الكويت، وهذا قول يجافي الواقع والقانون حيث ان الكثير من ابناء هذه الفئة هم من مواليد دولة الكويت وان اباءهم واجدادهم كانوا قد قدموا الى الكويت قبل مدة طويلة جدا بل ان البعض منهم قدم الى الكويت قبل صدور قانون الجنسية الكويتي لعام 1959 وكانوا حتى وقت قريب جدا يتم التعامل معهم كمقيمين بصورة مشروعة ويتمتعون بجملة من الحقوق الاساسية بموجب القوانين السارية في تلك الفترة.
إن اصدار اي قانون يتضمن حرمان هذه الفئة من حقوقها المنصوص عليها في المواثيق الدولية يعتبر مخالفة للقانون الدولي ولا يجوز لأي دولة كانت ان تتمسك بقوانينها الداخلية من اجل التحلل من التزاماتها الدولية كما نصت على ذلك المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، كما ان تقديم تقارير حكومية كاذبة حول تنفيذ دولة الكويت لالتزاماتها الدولية انما يتعارض مع المادة 2 من ميثاق الامم المتحدة والمادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 واللتين اشترطتا تنفيذ الدولة لالتزاماتها الدولية طبقا لمبدأ حسن النية والصدق والامانة في تنفيذها لهذه الالتزامات الدولية.
المحور الثالث (برنامج الحكومة)
(أ) استمرار النهج السابق بعدم تنفيذ الاستحقاق الدستوري للحكومة بتقديم برنامج عمل. حيث تنص المادة (98) من الدستور على أن (تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها الى مجلس الامة وللمجلس ان يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج).
ولما كان برنامج عمل الحكومة علاوة على كونه التزاما دستوريا يتحدد به نطاق علاقتها الموضوعية من البرلمان باعتباره تصورات الحكومة ورؤاها وخططها العملية وفقا لمهل زمنية واعتمادات صرف محددة، لذا فان الامتناع عن تقديمه وفقا للقيود الواردة للدستور يؤدي الى تعطيل قدرة البرلمان على الرقابة على السياسات والرؤى الحكومية، ويجعل العلاقة بين الحكومة والبرلمان عرضة للاجتهاد والمبادرة التي قد لا تكون في جميع الحالات محققة لطموحات الافراد وامالهم.
(ب) التشكيل الوزاري في ظل غياب برنامج عمل حكومي ما هو الا مجرد اجتهاد شخص لا يعتمد على اي ضابط موضوعي معتبر ولا يعكس اي قدر من الاستجابة للمطالبات الشعبية التي عبر عنها الشعب في صناديق الاقتراع، بل ان تضمين هذا التشكيل عناصر غير مقبولة شعبيا ام لاداء سابق غير مرضي عنه او لمواقف وآراء تعاكس قدرا كبيرا من التحيز والتطرف الفكري الذي لا يتوافق مع تطلعات الشعب لمرحلة جديدة بنهج جديد يقوم على طي كل صفحات الماضي بما تحمله من ترسبات سلبية.
وحيث ان النظام الدستوري لا يعرف فكرة الثقة بالحكومة مما يصبح معه الطريق الوحيد للاعتراض عليها هو المساءلة السياسية في الحدود المقررة دستوريا.
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
نرفض الردود التي تحتوي على بريد الكتروني أو روابط دعائية لمواقع او مدونات أخرى الإبتساماتإخفاء الإبتسامات