هام / عيد الحب... قصته، شعائره، حكمه

11:45 م
الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

أما بعد: فإن الله -سبحانه وتعالى- اختار لنا الإسلام دينًا كما قال -تعالى-:
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]، ولن يقبل الله -تعالى- من أحدٍ دينًا سواه كما قال -تعالى-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. وقال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ، ثم يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النّار» [رواه مسلم 153]، وجميع الأديان الموجودة في هذا العصر سوى دين الإسلام أديان ٌباطلةٌ لا تقرب إلى الله -تعالى-، بل إنها لا تزيد العبد إلا بعداً منه -سبحانه وتعالى- بحسب ما فيها من ضلال.

وقد أخبر النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن فئامًا من أمّته سيتبعون أعداء الله -تعالى- في بعض شعائرهم وعاداتهم، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنّصارى؟ قال: فمن» [أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسّنّة، باب قول النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لتتبعن سنن من كان قبلكم 8/151. ومسلم في العلم باب اتباع سنن اليهود والنّصارى 4/2054].

وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال الرّسول -صلى الله عليه وسلم-: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانيةً لكان في أمتي من يصنع ذلك» [رواه التّرمذي 2641 وصححه الألباني].

وقد وقع ما أخبر به النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وانتشر في الأزمنة الأخيرة في كثيرٍ من البلاد الإسلامية إذ اتبع كثير من المسلمين أعداء الله -تعالى- في كثيرٍ من عاداتهم وسلوكياتهم وقلدوهم في بعض شعائرهم، واحتفلوا بأعيادهم.


وكان ذلك نتيجة للفتح الماديّ، والتّطور العمرانيّ الّذي فتح الله به على البشرية، وكان قصب السّبق فيه في الأزمنة المتأخرة للبلاد الغربية النّصرانية العلمانية، مما كان سببًا في افتتان كثيرٍ من المسلمين بذلك لا سيّما مع ضعف الدّيانة في القلوب، وفشو الجهل بأحكام الشّريعة بين النّاس.


وزاد الأمر سوءاً الانفتاح الإعلاميّ بين كافة الشّعوب حتى غدت شعائر الكفار وعاداتهم تنقل مزخرفةً مبهرجةً بالصّوت والصّورة الحيّة من بلادهم إلى بلاد المسلمين عبر الفضائيات والشّبكة العالمية -الانترنت- فاغتر بزخرفها كثير من المسلمين.


وفي السّنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة بين كثير من شباب المسلمين -ذكورًا وإناثًا- لا تبشر بخير، تمثلت في تقليدهم للنّصارى في الاحتفال بعيد الحب، مما كان داعيًا لأولي العلم والدّعوة أن يبينوا شريعة الله -تعالى- في ذلك، نصيحةً لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم حتى يكون المسلم على بينة من أمره ولئلا يقع فيما يخل بعقيدته الّتي أنعم الله بها عليه.

وهذا عرض مختصر لأصل هذا العيد ونشأته والمقصود منه، وما يجب على المسلم تجاهه.

قصة عيد الحب


يعتبر عيد الحب من أعياد الرّومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدةً عند الرّومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرنًا، وهو تعبير في المفهوم الوثني الرّومانيّ عن الحب الإلهيّ.


ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرّومان، وعند ورثتهم من النّصارى، ومن أشهر هذه الأساطير: أن الرومان كانوا يعتقدون أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبةٌ فأمدّته بالقوة ورجاحة الفكر.


فكان الرّومان يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالًا كبيرًا، وكان من مراسيمه أن يذبح فيه كلبٌ وعنزةٌ، ويدهن شابان مفتولا العضلات جسميهما بدم الكلب والعنزة، ثم يغسلان الدّم باللبن، وبعد ذلك يسير موكبٌ عظيمٌ يكون الشّابان في مقدمته يطوف الطّرقات، ومع الشّابين قطعتان من الجلد يلطخان بهما كل من صادفهما، وكانت النّساء الرّوميات يتعرضن لتلك اللطمات مرحبات؛ لاعتقادهن بأنها تمنع العقم وتشفيه.


علاقة القديس فالنتين بهذا العيد:


(القديس فالنتين) اسم التصق باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النّصرانية قيل: أنهما اثنان، وقيل: بل هو واحد توفي في روما إثر تعذيب القائد القوطي (كلوديوس) له حوالي عام 296م. وبُنيت كنيسة في روما في المكان الّذي توفي فيه عام 350م تخليدًا لذكره.


ولمّا اعتنق الرّومان النّصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب السّابق ذكره لكن نقلوه من مفهومه الوثنيّ (الحب الإلهيّ) إلى مفهوم آخر يعبر عنه بشهداء الحب، ممثلًا في القديس فالنتين الدّاعية إلى الحب والسّلام الّذي استُشهد في سبيل ذلك حسب زعمهم. وسُمي أيضًا (عيد العشاق) واعتُبر (القديس فالنتين) شفيع العشاق وراعيهم.


وكان من اعتقاداتهم الباطلة في هذا العيد أن تكتب أسماء الفتيات اللاتي في سن الزّواج في لفافات صغيرةٍ من الورق وتوضع في طبقٍ على منضدة، ويدعى الشّبان الّذين يرغبون في الزّواج ليخرج كل منهم ورقة، فيضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان أو يعيدان الكرة في العام التّالي يوم العيد أيضًا.


وقد ثار رجال الدّين النّصراني على هذا التّقليد، واعتبروه مفسدًا لأخلاق الشّباب والشّابات فتم إبطاله في إيطاليا الّتي كان مشهورًا فيها؛ لأنها مدينة الرّومان المقدسة ثم صارت معقلًا من معاقل النّصارى. ولا يُعلم على وجه التّحديد متى تم إحياؤه من جديد. فالرّوايات النصرانية في ذلك مختلفة، لكن تذكر بعض المصادر أن الإنجليز كانوا يحتفلون به منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وفي القرنين الثّامن عشر والتّاسع عشر الميلاديين انتشرت في بعض البلاد الغربية محلات تبيع كتبًا صغيرةً تسمى(كتاب الفالنتين) فيها بعض الأشعار الغرامية ليختار منها من أراد أن يرسل إلى محبوبته بطاقة تهنئة وفيها مقترحات حول كيفية كتابة الرّسائل الغرامية والعاطفية.


أسطورةٌ ثانية:


تتلخص هذه الأسطورة في أن الرّومان كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى (عيد لوبركيليا) وهو العيد الوثنيّ المذكور في الأسطورة السّابقة، وكانوا يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله -تعالى-، ويعتقدون أن هذه الأوثان تحميهم من السّوء، وتحمي مراعيهم من الذئاب، فلمّا دخل الرّومان في النّصرانية بعد ظهورها، وحكم الرّومان الإمبراطور الرّوماني (كلوديوس الثّاني) في القرن الثّالث الميلاديّ منع جنوده من الزّواج؛ لأن الزّواج يشغلهم عن الحروب الّتي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتين) وصار يجري عقود الزّواج للجند سرًّا، فعلم الإمبراطور بذلك فزجّ به في السّجن، وحكم عليه بالإعدام.


أسطورةٌ ثالثة:


تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقًا كان وثنيًّا وكان (فالنتين) من دعاة النّصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدّين الوثنيّ الرّومانيّ، لكنه ثبت على دينه النّصرانيّ وأُعدم في سبيل ذلك في 14 فبراير عام 270م ليلة العيد الوثني الرّوماني (لوبركيليا).

فلمّا دخل الرّومان في النّصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه؛ لأنه مات في سبيل الثّبات على النّصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثّانية.

شعائرهم في هذا العيد:


من أهم شعائرهم فيه:


1- إظهار البهجة والسّرور فيه كحالهم في الأعياد المهمة الأخرى.


2- تبادل الورود الحمراء، وذلك تعبيرًا عن الحب الّذي كان عند الرّومان حبًّا إلهيًّا وثنيًّا لمعبوداتهم من دون الله -تعالى-. وعند النّصارى عشقًا بين الحبيب ومحبوبته، ولذلك سُمي عندهم بعيد العشاق.


3- توزيع بطاقات التّهنئة به، وفي بعضها صورة (كيوبيد) وهو طفلُ له جناحان يحمل قوسًا ونشابًا. وهو إله الحبّ عند الأمة الرّومانية الوثنية تعالى الله عن إفكهم وشركهم علوًّا كبيرًا.


4- تبادل كلمات الحب والعشق والغرام في بطاقات التّهنئة المتبادلة بينهم عن طريق الشّعر أو النّثر أو الجمل القصيرة، وفي بعض بطاقات التّهنئة صورٌ ضاحكةٌ وأقوالٌ هزليةٌ، وكثيرًا ما كان يكتب فيها عبارة (كن فالنتينيا) وهذا يمثل المفهوم النّصراني له بعد انتقاله من المفهوم الوثنيّ.


5- تُقام في كثير من الأقطار النّصرانية حفلاتٍ نهاريةً وسهراتٍ وحفلاتٍ مختلطةً راقصةً، ويرسل كثيرٌ منهم هدايا منها: الورود وصناديق الشّوكولاته إلى أزواجهم وأصدقائهم ومن يحبونهم.


الغرض من العرض السّابق:


ليست الأساطير المعروضة آنفًا حول هذا العيد ورمزه (القديس فالنتين) مما يهم العاقل فضلًا عن مسلم يوحد الله تعالى؛ لأن الأساطير الوثنيّة عند الأمتين الرومانيّة والنّصرانيّة كثيرةٌ جدًّا كما هو ظاهرٌ لكل مطلع على كتبهم وتواريخهم، لكن هذا العرض السّابق لبعض هذه الأساطير مقصود لبيان حقيقة هذا العيد لمن اغتر به من جهلة المسلمين، فصاروا يحتفلون به تقليدًا للأمّة الضّالة- النّصرانيّة- حتى غدا كثيرٌ من المسلمين-مع الأسف- يخلط بين الآلة والأسطورة، والعقل والخرافة، ويأخذ كل ما جاء من الغرب النّصرانيّ العلمانيّ ولو كان أسطورةً مسطورةً في كتبهم، أو خرافةً حكاها رهبانهم. وبلغ من جهل بعض من ينتسبون للإسلام أن دعونا إلى لزوم أخذ أساطير النّصارى وخرافاتهم ما دمنا قد أخذنا سياراتهم وطياراتهم وصناعاتهم. وهذا من الثمّرات السّيئة للتّغريب والتّقليد، الّذي لا يميز صاحبه بين ما ينفعه وما يضره. وهو دليل على تعطيل العقل الّذي كرم الله به الإنسان على سائر الحيوان، وعلى مخالفة الدّيانة الّتي تشرف المسلم بالتزامها والدّعوة إليها، كما هو دليل على الذّوبان في الآخر -الكافر- والانغماس في مستنقعاته الكفرية، وفقدان الشّخصية والاستقلالية، وهو عنوان الهزيمة النّفسية، والولع في اتباع الغالب ماديًّا في خيره وشره وحلوه ومره، وما يُمدح من حضارته وما يُعاب منها، دون تفريقٍ ولا تمييزٍ، كما ينادي بذلك كثير من العلمانيين المنهزمين مع أنفسهم، الخائنين لأمتهم.


ومن نظر إلى ما سبق عرضه من أساطير حول هذا العيد الوثنيّ يتضح له ما يلي:


أولًا: أن أصله عقيدةٌ وثنيّةٌ عند الرّومان، يُعبر عنها بالحب الإلهيّ للوثن الّذي عبدوه من دون الله تعالى. فمن احتفل به فهو يحتفل بمناسبة تعظّم فيها الأوثان وتُعبد من دون من يستحق العبادة وهو الخالق -سبحانه وتعالى-، الّذي حذرنا من الشّرك ومن الطّرق المفضية إليه فقال -تعالى- مخاطبًا الرّسول -صلى الله عليه وسلم-:
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزّمر65- 66]. وقضى سبحانه بأن من مات على الشّرك الأكبر لا يجد ريح الجنّة، بل هو مخلد في النّار أبدًا كما قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النّساء: 116]. وقال الله -تعالى- على لسان عيسى -عليه السّلام- أنه قال لقومه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، فالواجب الحذر من الشّرك ومما يؤدي إليه.

ثانيًا: أن نشأة هذا العيد عند الرّومان مرتبطةٌ بأساطير وخرافات لا يقبلها العقل السّويّ فضلًا عن عقل مسلم يؤمن بالله -تعالى- وبرسله -عليهم السّلام-.


فهل يقبل العقل السّويّ أن ذئبة أرضعت مؤسس مدينة روما وأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، على ما في هذه الأسطورة مما يُخالف عقيدة المسلم؛ لأن الّذي يمد بالقوة ورجاحة الفكر هو الخالق -سبحانه وتعالى- وليس لبن ذئبة!!


وكذلك الأسطورة الأخرى الّتي جاء فيها أن الرّومان يقدمون في هذا العيد القرابين لأوثانهم الّتي يعبدونها من دون الله -تعالى- اعتقادًا منهم أن هذه أوثان ترد السّوء عنهم وتحمي مراعيهم من الذّئاب، فهذا لا يقبله عقل سوي يعلم أن الأوثان لا تضر ولا تنفع علاوة على ما فيه من الشّرك الأكبر.


فكيف يقبل عاقل على نفسه أن يحتفل بعيد ارتبط بهذه الأساطير والخرافات فضلًا عن مسلم منَّ الله تعالى عليه بدين كامل وعقيدة صحيحة؟!


ثالثًا: أن من الشّعائر البشعة لهذا العيد عند الرّومان ذبح كلبٍ وعنزةٍ ودهن شابين بدم الكلب والعنزة ثم غسل الدّم باللبن... الخ فهذا مما تنفر منه الفطر السّويّة ولا تقبله العقول الصّحيحة.

فكيف يحتفل من رزقه الله -تعالى- فطرةً سويّةً، وأعطاه عقلًا صحيحًا، وهداه لدينٍ حقٍ بهذا العيد كانت تُمارس فيه هذه الممارسات البشعة؟!

رابعًا: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مٌختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلًا في هذا القديس وتعتبره أسطورةً لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنّصارى رفض هذا العيد الوثنيّ الّذي تبعوا فيه الأمة الرّومانية الوثنية، لا سيّما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمرٌ مشكوكٌ فيه!! فإذا عُيب ذلك على النّصارى الّذين بدلوا دينهم وحّرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يُعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النّصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!


خامسًا: أن رجال الدّين النّصرانيّ قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشّباب والشّابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النّصارى الكاثوليك. ثم أُعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النّصارى قد أنكروه في وقتهم لما سبّبه من فساد لشعوبهم وهم ضالّون فإن الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النّصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والتّواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنّهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.


لماذا لا نحتفل بهذا العيد؟!


كثير ممن يحتفلون بهذا العيد من المسلمين لا يؤمنون بالأساطير والخرافات المنسوجة حوله سواءً ما كان منها عند الرّومان أو ما كان عند النّصارى، وأكثر من يحتفلون به من المسلمين لا يعلمون عن هذه الأساطير شيئًا، وإنما دفعهم إلى هذا الاحتفال تقليد لغيرهم أو شهوات ينالونها من جراء ذلك.

وقد يقول بعض من يحتفل به من المسلمين: إن الإسلام دعا إلى المحبة والسّلام، وعيد الحب مناسبةٌ لنشر المحبة بين المسلمين فما المانع من الاحتفال به؟!

وللإجابة على ذلك أوجهٌ عدةٌ منها:


الوجه الأول: أن الأعياد في الإسلام عبادات تقرب إلى الله -تعالى- وهي من الشّعائر الدّينية العظيمة، وليس في الإسلام ما يطلق عليه عيد إلا عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى. والعبادات توقيفية، فليس لأحدٍ من النّاس أن يضع عيداً لم يشرعه الله -تعالى- ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-. وبناءً عليه فإن الاحتفال بعيد الحب أو بغيره من الأعياد المحدثة يعتبر ابتداعًا في الدّين وزيادة في الشّريعة، واستدراكًا على الشّارع -سبحانه وتعالى-.


الوجه الثّاني: أن الاحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرّومان الوثنيين ثم بالنّصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرّومان وليس هو من دينهم. وإذا كان المسلم يمنع من التّشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا، فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عبّاد الأوثان!!


وعموم التّشبه بالكفار -وثنيين كانوا أم كتابيين- محرمٌ سواءً كان التّشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم -وهو أشدُّ خطراً- أم فيما اختصوا به من عباداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم كما قرر ذلك علماء الإسلام استمداداً من الكتاب والسّنة وإجماع الصّحابة -رضي الله عنهم-:


1- فمن القرآن قول الله -تعالى-:
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، وقال -تعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

فالله تعالى حذّر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب -اليهود والنّصارى- الّذين غيّروا دينهم، وحرّفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يُشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله تعالى به.


2- ومن السّنة قول النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-:
«من تشبه بقوم فهو منهم» [أخرجه أبو داود 4031 وقال الألباني: حسن صحيح]، قال شيخ الإسلام: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التّشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]" [الاقتضاء 1/314]، وقال الصّنعانيّ: "فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فان لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب" (سبل السلام 8/248).

3- وأما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التّشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصّحابة -رضي الله عنهم-، كما نقل ابن القيم إجماع العلماء على ذلك (انظر الاقتضاء 1/454 وأحكام أهل الذّمة، ص: 722-725).


والتّشبه بالكفار فيما هو من دينهم -كعيد الحب- أخطر من التّشبه بهم في أزيائهم أو عاداتهم أو سلوكياتهم؛ لأن دينهم إما مخترعٌ وإما محرّفٌ، وما لم يحرف منه فمنسوخ، فلا شيء يقرب إلى الله -تعالى- فإذا كان الأمر كذلك فان الاحتفال بعيد الحب تشبه بعباد الأوثان -الرّومان- في عباداتهم للأوثان، ثم بأهل الكتاب في أسطورة حول قديس عظّموه وغلوا فيه. وصرفوا له ما لا يجوز صرفه للبشر بأن جعلوا له عيدًا يحتفلون به.


الوجه الثّالث: أن المقصود من عيد الحب في هذا الزّمن إشاعة المحبة بين النّاس كلهم مؤمنهم وكافرهم وهذا مما يخالف دين الإسلام فإن للكافر على المسلم العدل معه، وعدم ظلمه، كما أن له إن لم يكن حربيًّا ولم يظاهر الحربيين البر من المسلم إن كان ذا رحم عملاً بقوله تعالى:
{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. ولا يلزم من القسط مع الكافر وبره صرف المحبة والمودة له، بل الواجب كراهيته في الله تعالى لتلبسه بالكفر الّذي لا يرضاه الله -سبحانه- كما قال تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].

وقد أوجب الله -تعالى- عدم مودة الكافر في قوله -سبحانه-:
{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا، فمن واد الكفار فليس بمؤمنٍ، والمشابهة الظّاهرة مظنّة المودة فتكون محرمة" [الاقتضاء 1/490]، وقال أيضًا: "المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظّاهر" (الاقتضاء 1/488).

ولا يمكن أن تجتمع محبة الله -تعالى- ومحبة ما يحبه مع محبة الكفر وأهله في قلبٍ واحدٍ، فمن أحب الله -تعالى- كره الكفر وأهله.


الوجه الرّابع: أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النّصارى هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزّوجية.


ونتيجتها: انتشار الزّنى والفواحش، ولذلك حاربه رجال الدّين النصرانيّ في وقتٍ من الأوقات وأبطلوه ثم أُعيد مرة أخرى.


وأكثر شباب المسلمين يحتفلون به لأجل الشّهوات الّتي يحققها وليس اعتقادًا بخرافات الرّومان والنّصارى فيه. ولكن ذلك لا ينفي عنهم صفة التّشبه بالكفار في شيء من دينهم. وهذا فيه من الخطر على عقيدة المسلم ما فيه، وقد يوصل صاحبه إلى الكفر إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه.

ولا يجوز لمسلم أن يبني علاقاتٍ غراميةً مع امرأة لا تحلّ له، وذلك بوابة الزّنا الّذي هو كبيرةً من كبائر الذّنوب.

فمن احتفل بعيد الحب من شباب المسلمين، وكان قصده تحصيل بعض الشّهوات أو إقامة علاقاتٍ مع امرأة لا تحلّ له، فقد قصد كبيرةً من كبائر الذّنوب، واتخذ وسيلة في الوصول إليها ما يعتبره العلماء كفراً وهو التّشبه بالكفار في شعيرة من شعائرهم.


موقف المسلم من عيد الحب:


مما سبق عرضه في بيان أهل هذا العيد، وقصته، والمقصود منه فإنه يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاهه في الآتي:


أولًا: عدم الاحتفال به، أو مشاركة المحتفلين به في احتفالهم، أو الحضور معهم لما سبق عرضه من الأدلة الدّالة على تحريم الاحتفال بأعياد الكفار. قال
الحافظ الذّهبي -رحمه الله تعالى-: "فإذا كان للنّصارى عيدٌ ولليهود عيدُ كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم". أهـ (تشبه الخسيس بأهل الخميس، رسالة منشورة في مجلة الحكمة 4/193).

ثانيًا: عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بإهداء أو طبع أدوات العيد وشعاراته أو إعارة؛ لأنه شعيرةٌ من شعائر الكفر، فإعانتهم وإقرارهم عليه إعانةٌ على ظهور الكفر وعلوّه وإقرارٌ به. والمسلم يمنعه دينه من إقرار الكفر والإعانة على ظهوره وعلوه. ولذلك قال
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيءٍ مما يختص بأعيادهم لا من طعامٍ ولا لباسٍ ولا اغتسالٍ ولا إيقاد نيرانٍ ولا تبطيل عادةٍ من معيشةٍ أو عبادةٍ أو غير ذلك. ولا يحلّ فعل وليمةٍ ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصّبيان ونحوهم من اللعب الّذي في الأعياد ولا إظهار الزّينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيءٍ من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام" (مجموعة الفتاوى 25/329).

وقال
ابن التّركماني: "فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابّة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم" (اللمع في الحوادث والبدع 2/519-520).

ثالثًا: عدم إعانة من احتفل به من المسلمين، بل الواجب الإنكار عليهم؛ لأن احتفال المسلمين بأعياد الكفار منكر يجب إنكاره. قال
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "وكما لا نتشبه بهم في الأعياد، فلا يعان المسلم بهم في ذلك، بل ينهى عن ذلك. فمن صنع دعوةً مخالفةً للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هديةً في هذه الأعياد مخالفةً للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التّشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطّعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر" (الاقتضاء 2/519-520).

وبناءً على ما قرره شيخ الإسلام فانه لا يجوز للتّجار المسلمين أن يتاجروا بهدايا عيد الحب من لباسٍ معينٍ أو ورودٍ حمراء أو غير ذلك؛ لأن المتاجرة بها إعانةٌ على المنكر الّذي لا يرضاه الله -تعالى- ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-.


كما لا يحل لمن أهديت له هديةً هذا العيد أن يقبلها؛ لأن في قبولها إقرار لهذا العيد.


رابعًا: عدم تبادل التّهاني بعيد الحب؛ لأنه ليس عيدًا للمسلمين. وإذا هنئ المسلم به فلا يرد التّهنئة. قال
ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وأما التّهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصّليب، بل ذلك أعظم عند الله وأشد مقتًا من التّهنئة بشرب الخمر، وقتل النّفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدّين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" (أحكام أهل الذمة 1/441-442).

خامسًا: توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين، وبيان ضرورة تميز المسلم بدينه والمحافظة على عقيدته مما يخلّ بها، وتذكيره بمخاطر التّشبه بالكفار في شعائرهم الدّينية كالأعياد أو بعاداتهم وسلوكياتهم، نصحا للأمّة وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الّذي بإقامته صلاح العباد والبلاد، وحلول الخيرات، وارتفاع العقوبات كما قال -تعالى-:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].

أسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين من مضلات الفتن وأن يقيهم شرور أنفسهم ومكر أعدائهم إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



إبراهيم بن محمد الحقيل

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

نرفض الردود التي تحتوي على بريد الكتروني أو روابط دعائية لمواقع او مدونات أخرى الإبتساماتإخفاء الإبتسامات